الدرس 5.2: الممارسات التعليمية المفتوحة في سياق التعليم اليومي
حالما تدرك ما هي الممارسات التعليمية المفتوحة، تكون الخطوة التالية هي البدء تدريجيا بانتهاج بعض هذه الممارسات في تدريسك اليومي. غني عن القول أن کل معلم هو حالة مختلفة، وأن کل مجموعة من الطلاب هي حالة مختلفة أيضا، لذا لا بد أن يكون اعتماد هذه الممارسات مناسبا لكل حالة، ومستندا إلی الموضوع الدراسي، وإلی سیاق التعلم بوجه خاص.
التعليم المتمركز حول المتعلم باستخدام المصادر التعليمية المفتوحة
الخصائص الخمس للتعليم المتمركز حول المتعلم:
- يشرك التعليم المتمركز حول المتعلم الطلاب في العمل الصعب وغير المرتب للتعلم. يقوم المعلمون بالكثير جدا من مهام التعلم للطلاب. فنحن نسأل الأسئلة، ونطلب من الطلاب الإجابة، ونضيف تفاصيل إلى إجاباتهم. كما نقدم الأمثلة، وننظم المحتوى، ونقوم بالتمهيد للدروس ومراجعتها، ودائما ما يبذل المعلمون في معظم الصفوف جهودا أكثر من الطلاب. نحن لا نقترح أن نكف عن القيام بهذه المهام، وإنما نعتقد أن الطلاب لن يكتسبوا مهارات التعلم الصعبة دون أن تتاح لهم الفرصة للممارسة بسبب قيام المعلم في معظم الصفوف الدراسية بقدر من الممارسة يفوق بكثير ما يقوم به الطلاب.
- يتضمن التعليم المتمركز حول المتعلم تعليم المهارات بشكل صريح. يقوم المعلمون الذين يركزون على المتعلم بتعليم الطلاب كيفية التفكير، وحل المشاكل، وتقويم الأدلة، وتحليل الحجج، وإنتاج الفرضيات، وهذه كلها مهارات ضرورية لتعلم المادة الدراسية. فهؤلاء المعلمون لا يتوقعون من الطلاب اكتساب هذه المهارات وحدهم بشكل تلقائي. لا شك أن هناك عدد قليل من الطلاب يستطيعون ذلك، لكن أولئك الطلاب هم الأكثر شبها بنا، ومعظم الطلاب ليسوا كذلك، إذ تؤكد البحوث دائما أن مهارات التعلم تتطور بشكل أسرع إن تم تدريسها بشكل صريح جنبا إلى جنب مع المحتوى.
- يشجع التعليم المتمركز حول المتعلم الطلاب على التأمل في ما يتعلمونه وكيف يتعلمونه. يتحدث المعلمون الذين يركزون على المتعلم عن التعلم. وفي أحاديثهم العابرة يسألون الطلاب عما يتعلمونه. وفي الصف قد يتحدثون عن تجاربهم الخاصة مع التعلم. كما يتصدون لما يحمله الطلاب من افتراضات حول التعلم ويشجعونهم على تحمل المسؤولية عن القرارات التي يتخذونها بشأن التعلم، من قبيل كيفية دراستهم استعدادا للامتحانات، ومتى يقومون بإنجاز القراءات المطلوبة منهم، وما إذا كانوا يراجعون ما يكتبونه أو يتحققون من إجاباتهم. كما يستخدم المعلمون الذين يركزون على المتعلم، تعيينات يقوم الطلاب من خلالها بالتأمل في ما يتعلمونه وفي كيفية تعلمهم، وتحليل ذلك، ونقده. الهدف من ذلك هو توعية الطلاب بأنفسهم باعتبارهم متعلمين، وتحفيزهم لتنمية مهارات التعلم.
- يحفز التعليم المتمركز حول المتعلم الطلاب من خلال منحهم قدرا من التحكم في عمليات التعلم. يتخذ المعلمون الكثير جدا من القرارات حول التعلم نيابة عن الطلاب. فهم يقررون بشأن ما يجب أن يتعلمه الطلاب، وكيف يتعلموه، وبأية وتيرة يتعلمونه، وما هي الظروف التي يتعلمون فيها، ثم يحدد المعلمون ما إذا كان الطلاب قد تعلموا. فالطلاب ليسوا في وضع يسمح لهم بتحديد المحتوى الذي يجب أن يتضمنه المقرر أو تحديد الكتاب المدرسي الأفضل. بيد أن استئثار المعلمين بجميع القرارات يؤدي إلى إضعاف الدافع للتعلم عند المتعلمين، وإلى دفعهم إلى الاعتماد على المعلمين. لذا يقوم المعلمون الذين يركزون على المتعلم بالبحث عن طرق تعكس المسؤولية الأخلاقية من أجل تقاسم السلطة مع الطلاب. فقد يوفرون للطلاب بعض الخيارات بشأن المهام المطلوب منهم إنجازها. وقد يتيحون المجال للطلاب لمناقشة السياسات المطبقة داخل الصف. وقد يسمحون للطلاب بتعيين المواعيد النهائية لتسليم التعيينات ضمن فترة زمنية معينة. وقد يطلبون من الطلاب المساعدة في وضع معايير القياس.
- يشجع التعليم المتمركز حول المتعلم التعاون. فهذا التعليم يعتبر الصفوف الدراسية (سواء على الإنترنت أو وجها لوجه) بمثابة مجتمعات من المتعلمين. ويدرك المعلمون الذين يركزون على المتعلم، كما تؤكد الأبحاث باستمرار، أن الطلاب يمكن أن يتعلموا من بعضهم البعض ومع بعضهم البعض. ما من شك أن لدى المعلم الخبرة وعليه الالتزام بوضعها في المتناول، إلا أن بالإمكان أن يتعلم المعلمون من الطلاب أيضا. لذا يعمل المعلمون الذين يركزون على المتعلم على تطوير هياكل تعزز الالتزامات المشتركة بالتعلم. فهم يعتبرون التعلم الفردي والجماعي الهدف الأهم لأية تجربة تعليمية.
نحو أساليب تعليمية مبتكرة لاستخدام المصادر التعليمية المفتوحة، من أجل تعزيز الممارسات التعليمية المفتوحة وصولا إلى تعزيز المهارات المطلوبة:
“إن إدخال المصادر التعليمية المفتوحة إلى نموذج نقل المعرفة المتمركز حول المعلم، وهو النموذج الذي لا يزال مهيمنا، لن يكون له تأثير يذكر على تزويد المعلمين، والطلاب، والعاملين، بالكفايات والمعرفة والمهارات اللازمة، للمشاركة بنجاح في اقتصاد المعرفة والمجتمع … [هناك] حاجة إلى تبني ممارسات تعليم وتعلم مفتوحة، يعززها إطار تعليمي قائم على الكفاية” (غيزر Geser، 2012، صفحة 12).
بالتالي فإن النماذج التربوية المبتكرة التي تهدف إلى تنمية الكفاءات المطلوبة والمناسبة مهمة في تحديد الممارسات التعليمية المفتوحة وتطبيقها.
ويجادل كونول Conole و إهلرز Ehlers (2010، ص 1) بأن التركيز يجب أن ينصب بشكل أكبر على استخدام المصادر التعليمية المفتوحة لتعزيز الجودة والابتكار في التعليم والتعلم:
. بالمثل، يميز كامبل Campbell (2012) بين “التعليم المفتوح” و”فتح التعليم”، ويؤكد أن سمة “مفتوح” ليست “مجرد نوعية نتبناها أو اتجاه نتبعه، بل موقف أو توجه عقلي إزاء النظم والاحتياجات التي تعززها وتركزها تلك النظم”. في ضوء ذلك، يجادل كامبل، بأن معظم ما يسمى “التعليم المفتوح” الذي يدور الحديث عنه هذه الأيام، يستخدم التكنولوجيا الجديدة لمجرد القيام بالأشياء القديمة (نموذج التلقين instructivist model) بطرق جديدة، فهو لا يعتبر بحق بمثابة ممارسات تعليمية مفتوحة. وفي هذا السياق يشير إلى التعلم من خلال الإنترنت، وإلى النموذج المطور للمساقات الجماعية الالكترونية المفتوحة المصادر (MOOCs) كمثالين على تكنولوجيا جديدة تلبس ثوب الممارسات التعليمية المفتوحة، ولكنها مجرد قيام بالأشياء القديمة بطرق جديدة، وهي طرق لا تساهم في تعزيز تحفيز الطلاب وتنميتهم ليتمكنوا من امتلاك تعلمهم والانخراط مع الآخرين في تعلمهم، والابتكار أكثر مما يساهم فيه النموذج التقليدي للتعليم. في المقابل، يزعم كامبل أن “فتح التعليم” يحوّل التركيز إلى القيام بأشياء جديدة (من قبيل تطوير قدرات جديدة) بطرق جديدة (مثل استخدام المصادر التعليمية المفتوحة). لذا يجب على التعليم المفتوح أن يسعى جاهدا لتعزيز ما يطلق عليه بلوم Bloom (1984) مستوى أكاديميا عاليا جدا عند المتعلمين، واستخدام المصادر التعليمية المفتوحة لإيجاد نوعية من المتعلمين المنضمين إلى شبكات لديهم القدرة على تنظيم أنفسهم بأنفسهم، والمشاركة في الابتكار، والإبداع، والتحقق من أعمال الأقران peer-validate (كامبل، 2012).
على نحو مماثل، يعتقد موت Mott و وايلي Wiley (2009) أن نظام إدارة المقررات (CMS) واسع الانتشار، الذي تستخدمه العديد من الجامعات، يؤدي في أسوأ الأحوال إلى مجرد القيام بالأشياء القديمة بطرق جديدة، وفي أحسن الأحوال يحدّ بشدة من إمكانية وصول المتعلمين إلى المصادر التعليمية المفتوحة. ويؤكد المؤلفان أن هذا النظام “يعزز الوضع الراهن ويعيق الابتكارات الجوهرية في التعليم والتعلم في مجال التعليم العالي، وذلك من خلال فرض حدود زمنية مصطنعة على وصول المتعلمين إلى محتوى المقررات وإلى غيرهم من المتعلمين، ومن خلال تعزيز دور المعلم على حساب المتعلم، والحد من تأثير الشبكات في عملية التعلم” (ص 3).
الأنشطة الأصيلة للتعلم النشط المتمركز حول الطالب
لتطوير المهارات المطلوبة باستخدام نماذج تربوية جديدة، يوصي ريفز Reeves وهيرينغتن Herringtn وأوليفر Oliver(2002، ص 562) بمراعاة المعايير العشرة التالية في المشاريع المختارة لتعزيز التعلم:
- الأنشطة الأصيلة متصلة بالعالم الحقيقي: تتطابق الأنشطة بأكبر قدر ممكن مع المهام التي يقوم بها المهنيون فعليّا في العالم الحقيقي، وليس مع المهام المنفصلة عن السياق أو المستندة إلى سياق الغرفة الصفية.
- الأنشطة الأصيلة غير محددة المعالم، فهي تفرض على الطلاب تحديد المهام العامة والفرعية اللازمة لإكمال النشاط. وتكون المشاكل المتأصلة في هذه الأنشطة غير محددة المعالم وقابلة لتفسيرها بطرق عدة، بدلا من أن تكون سهلة الحل باستخدام الطرق الحسابية الموجودة. بالتالي يجب على المتعلمين تحديد مجموعة متميزة خاصة بهم من المهام الأساسية والفرعية، من أجل إنجاز المهمة الرئيسة.
- الأنشطة الأصيلة تشمل مهام معقدة يتعين على الطلاب البحث فيها على مدى فترة زمنية طويلة. فهذه الأنشطة يتم إكمالها في أيام أو أسابيع أو شهور، لا في دقائق أو ساعات، لذا فإنها تتطلب استثمارات كبيرة للوقت والموارد الفكرية.
- الأنشطة الأصيلة توفر الفرصة للطلاب لدراسة المهمة من زوايا مختلفة، باستخدام مجموعة متنوعة من المصادر. فالمهمة تتيح للمتعلمين الفرصة لدراسة المشكلة من زوايا نظرية وعملية مختلفة، بدلا من أن يكون هنالك منظور واحد يتوجب على المتعلمين تقليده لينجحوا. وجراء استخدامهم مجموعة متنوعة من المصادر، بدلا من عدد محدود من المراجع المختارة مسبقا، يتعين على الطلاب اكتشاف المعلومات المتصلة بالموضوع وغير المتصلة به.
- الأنشطة الأصيلة تتيح الفرصة للتعاون. يُعد التعاون جزءا لا يتجزأ من المهمة، سواء في إطار المقرر أو في العالم الحقيقي، ولا يمكن للمتعلم بمفرده تحقيقه.
- الأنشطة الأصيلة توفر الفرصة للتأمل. يجب ان تمكّن الأنشطة المتعلمین من اختيار ما يريدون، ومن التأمل في تعلمھم بشكل شخصي أو اجتماعي.
- يمكن إدماج الأنشطة الأصيلة وتطبيقها في مجالات مواضيعية مختلفة فتحقق نتائج تتخطى حدود المجالات المحددة. هذه الأنشطة تشجع وجهات النظر المتعددة التخصصات، وتدعم تنوع الأدوار والخبرات، ولا تقتصر على مجال أو حقل واحد محدد بعينه.
- الأنشطة الأصيلة مدمجة بسلاسة مع القياس. فقياس الأنشطة مُدمج بسلاسة مع المهمة الرئيسة بطريقة تعكس القياس في العالم الحقيقي، بدلا من استخدام قياس اصطناعي لا يرتبط بطبيعة المهمة.
- الأنشطة الأصيلة تنتج منتجات كاملة قيّمة في حد ذاتها، بدلا من كونها تحضيرا لشيء آخر. فهذه الأنشطة تتوج بخلق منتج كامل، وليس مجرد تمرين أو خطوة فرعية في سياق التحضير لشيء آخر.
- الأنشطة الأصيلة تتيح المجال لتنافس الحلول وتنوع النتائج. فهذه الأنشطة تفتح المجال لطائفة واسعة ومتنوعة من النتائج التي يمكن الوصول إليها من خلال مجموعة من الحلول الأصيلة، بدلا من اقتصارها على إجابة صحيحة واحدة، يتم الحصول عليها عن طريق تطبيق القواعد والإجراءات.