الدرس 5.1: مفهوم الممارسات التعليمية المفتوحة
انعكاسات صفة “مفتوحة” على تصميم المقرر والبرنامج: نحو نقلة نوعية
رغم تركيز وســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــائل الإعلام مؤخرا على المساقات الجماعية الالكترونية المفتوحة المصادر Massive Open Online Courses (MOOCs)، إلا اننا نعتقد بأن التطورات في مجال المصادر التعليمية المفتوحة، والكتب المدرسية المفتوحة، والبحوث المفتوحة، والبيانات المفتوحة، ستحظى بأهمية أكبر بكثير من المقررات الإلكترونية المفتوحة واسعة الانتشار بل وستكون أكثر ثورية، وذلك لأسباب منها:
- سيصبح المحتوى بأكمله تقريبا مجانيا ومفتوحا.
في نهاية المطاف، يصبح معظم المحتوى الأكاديمي متاحا بسهولة وبشكل مجاني للجميع من خلال شبكة الإنترنت. قد يعني هذا أن تتحول السلطة من المعلمين والموجهين إلى الطلاب، إذ يصبح الطلاب في غنى عن الموجهين تحديدا بوصفهم مصدرهم الأساس للمحتوى. بعض الطلاب يقومون بالفعل بتفويت محاضرات في مؤسستهم التعليمية المحلية، لأن تدريس الموضوع أفضل لهم وأكثر وضوحا من خلال الدورات الدراسية المفتوحة Open Course Ware، أو المساقات الجماعية الالكترونية المفتوحة المصادر، أو أكاديمية خان. فإن كان بإمكان الطلاب الوصول إلى أفضل المحاضرات أو المواد التعليمية مجانا من أي مكان في العالم، بما في ذلك الجامعات الرائدة في رابطة آيفي Ivy League، فلماذا يسعون إذن للحصول على المحتوى من معلم عادي في جامعتهم؟ ما هي القيمة المضافة التي سيوفرها هذا المعلم لطلابه؟ هنالك إجابات جيدة على هذا السؤال، ولكن ذلك يعني النظر بعناية فائقة في كيفية قيام المعلم أو الموجه بتقديم المحتوى، وتشكيله بطريقة تجعله مختلفا بشكل مميز عما يمكن للطلاب الحصول عليه من مكان آخر. بالنسبة لأساتذة البحوث، قد يشمل ذلك إتاحة الوصول إلى آخر أبحاثهم التي لم تنشر بعد. وبالنسبة للمعلمين الآخرين، قد يجري ذلك من خلال تقديم آرائهم المتميزة حول موضوع معين. وبالنسبة لآخرين، قد يكون مزيجا فريدا من الموضوعات لتوفير مقاربة متكاملة مستندة إلى عدة حقول معرفية، إلا أن ما هو غير مقبول بالنسبة لمعظم الطلاب، هو إعادة تغليف وتقديم المحتوى “المعياري” الذي يمكن العثور عليه بسهولة، وبجودة أعلى في مكان ما على الإنترنت.
علاوة على ذلك، إذا ما اعتبرنا إدارة المعرفة إحدى المهارات الأساسية اللازمة في العصر الرقمي، فقد يكون من الأفضل تمكين الطلاب من العثور على المحتوى، وتحليله، وتقويمه، وتطبيقه، بدل أن يقوم المعلمون بذلك نيابة عنهم. فإذا كان معظم المحتوى متوفرا في مكان آخر، فإن ما سيسعى الطلاب إلى الحصول عليه من مؤسساتهم المحلية على نحو متزايد هو دعمهم في تعلمهم، وليس تقديم المحتوى. يعني هذا توجيههم إلى مصادر مناسبة للمحتوى، ومساعدتهم في تعلم المفاهيم الصعبة، وتوفير الفرص لهم لتطبيق معارفهم وتنمية مهاراتهم وممارستها. هذا يعني أيضا، إعطاء تغذية راجعة سريعة ومناسبة عند حاجة الطلاب إليها. الأهم من ذلك أن هذا يعني خلق بيئة تعليمية غنية، تمكن الطلاب من الدراسة، كما يعني تحويل التعليم من نقل للمعلومات إلى إدارة للمعرفة، ومن انتقاء المحتوى، وتركيبه، وتقديمه، إلى تقديم الدعم للمتعلمين.
وعليه، فإن جودة الدعم التعليمي المقدم للطلاب داخل جامعاتهم أو كلياتهم، (قد يستثنى من ذلك أكثر الجامعات تقدما في مجال البحوث)هي في النهاية، بالنسبة لمعظم الطلاب، أكثر أهمية من جودة تقديم المحتوى الذي يمكنهم الحصول عليه من أي مكان.ويمثل هذا الأمر تحديا رئيسا أمام المعلمين الذين يعتبرون أنفسهم في المقام الأول خبراء في اخبراء المحتوى.
- تصميم وبناء الوحدات التعليمية Modularisation
إن إنشاء المصادر التعليمية المفتوحة، سواء على شكل مواضيع تعلمية صغيرة أو، على نحو متزايد، على شكل “وحدات” تعليمية قصير، تتراوح ما بين خمس دقائق إلى ساعة واحدة من المادة، إضافة إلى تنوع الأسواق المتزايد، بدأ يقود إلى تطبيق اثنين من المبادئ الرئيسة للمصادر التعليمية المفتوحة، وهما إعادة الاستعمال وإعادة الخلط. بعبارة أخرى، يمكن دمج المحتوى نفسه، المتاح في شكل رقمي يمكن الوصول إليه، في مجموعة من التطبيقات المختلفة و/ أو مزجه مع مصادر تعليمية مفتوحة أخرى، لإنشاء وحدة تعليمية واحدة، أو مقرر، أو برنامج تعليمي واحد.
تقوم حكومة أونتاريو، من خلال صندوق تطوير المقررات عبر الإنترنت، بحث المؤسسات على إنشاء مصادر تعليمية مفتوحة، وكان من نتيجة ذلك، أن جمعت عدة جامعات أعضاء هيئات تدريس يعملون فيها في دوائر مختلفة تدرّس المحتوى نفسه، (الإحصاء، على سبيل المثال)، بهدف تطوير مصادر تعليمية مفتوحة “أساسية” يمكن تبادلها بين تلك الدوائر. تتمثل الخطوة المنطقية التالية، في أن يجتمع أعضاء هيئات تدريس الإحصاء في جميع المؤسسات التعليمية في أونتاريو، وأن يضعوا مجموعة متكاملة من وحدات المصادر التعليمية المفتوحة في مجال الإحصاء، بحيث تغطي أجزاء أساسية من منهاج الإحصاء. يمكن أن يحقق هذا العمل الجماعي الفوائد التالية: أ) تحسين الجودة عن طريق تجميع المصادر (فخبيران في الموضوع أفضل من خبير واحد، إلى جانب الدعم المقدم من مصممي البرامج التعليمية ومنتجي صفحات الإنترنت web producers)، ب) إنتاج مصادر تعليمية مفتوحة أكثر مما يمكن لمعلم واحد أو مؤسسة واحدة إنتاجه، ج) تحقيق الاتساق في الموضوع ومنع الازدواجية، د) تعزيز احتمالية استخدام أعضاء هيئة تدريس في مؤسسة معينة، مواد وُضعت في مؤسسة أخرى إذا كانوا قد ساهموا في اختيار وتصميم المصادر التعليمية المفتوحة المنتجة في مؤسسات أخرى.
ومع اتساع نطاق المصادر التعليمية المفتوحة وتحسن نوعيتها، سيتمكن المعلمون (والطلاب)، من بناء المنهاج من خلال مجموعة من “لبنات بناء” هذه المصادر. الهدف من ذلك هو تقليص الوقت الذي يقضيه المعلمون في بناء المواد، ( والتركيز ربما على إنشاء مصادر تعليمية مفتوحة خاصة بهم، في مجال موضوع معين أو خبرة بحثية معينة)، واستخدام وقتهم بشكل أكبر لدعم تعلم الطلاب بدل تقديم محتوى.
ج- تجزئة الخدمات
يتيح التعليم المفتوح والترقيم، تجزئة ما تتجه المؤسسات إلى تقديمه في شكل حزمة كاملة من الخدمات، بشكل مجزأ ومنفصل تبعا لمتطلبات سوق التعليم، ولاحتياجات المتعلمين فرادى. سوف يقوم المتعلمون باختيار واستخدام تلك الوحدات أو الخدمات التي تناسب احتياجاتهم على أفضل نحو. ومن المرجح أن يكون هذا هو النمط الذي يتبعه تحديدا المتعلمون مدى الحياة. وقد ظهرت بعض المؤشرات المبكرة لهذه العملية بالفعل، وإن كانت معظم التغييرات ذات الأهمية الحقيقية لم تحدث بعد.
د- دعم المتعلمين
ربما يكون الطلاب قد قرروا ما يريدون دراسته بالفعل من خلال الإنترنت، كاللجوء إلى المساقات الجماعية الالكترونية المفتوحة المصادر – موكس(MOOC) مثلا، وما يبحثون عنه هو المساعدة في دراستهم: كيفية كتابة فروضهم الدراسية، ومعرفة أماكن وجود المعلومات، والحصول على ملاحظات على أعمالهم وأفكارهم. فهم لا يبحثون بالضرورة عن اعتماد، أو درجة، أو مؤهلات أخرى، ولو كان ذلك مقصدهم فإنهم يدفعون مقابل قياس أدائهم بشكل منفصل. إذ يقوم الطلاب حاليا بالدفع لمعلمين خصوصيين مقابل هذه الخدمة. بيد أن من الممكن أن تقدم المؤسسات أيضا هذه الخدمة، شريطة بناء نموذج أعمال مناسب.
حول تصميم المقررات المفتوحة
من المتوقع أن يسهل التوفر المتزايد للمحتوى المفتوح ذي الجودة العالية، التحول من نقل المعلم للمعلومات إلى قيام المتعلم بإدارة المعرفة. وهناك أيضا في العصر الرقمي، حاجة إلى التركيز على تنمية المهارات بوصفها جزءا لا يتجزأ من مجال الموضوع العلمي، أكثر من التركيز على تحفيظ المحتوى.
يمكن لاستخدام المصادر التعليمية المفتوحة أن يعزز هذه التطورات بعدة طرق منها:
- نهج تعليمي يتمركز حول المتعلم: يركز على وصول الطلاب إلى المحتوى على الإنترنت (وفي الحياة الواقعية)، باعتبار ذلك جزءا من تنمية المعرفة والمهارات والكفايات التي يحددها المعلم، أو على تمكين المتعلمين من إدارة تعلمهم بأنفسهم. مع ذلك، لن يقتصر المحتوى على المصادر التعليمية المفتوحة المعتمدة رسميا، بل يشمل كل شيء على شبكة الإنترنت، حيث أن إحدى المهارات الأساس التي يحتاجها الطلاب، هي كيفية قياس وتقويم المصادر المختلفة للمعلومات.
- اتحاد (كونسورتيوم) للمعلمین أو المؤسسات: يقوم بإعداد مواد تعلمیة مشترکة في سياق برنامج أوسع، مع إمكانية تبادل هذه المواد داخل الاتحاد وخارجه. مع ذلك، لن يكون المحتوى وحده المتاح مجانا، وإنما أيضا المبادئ التعليمية التي يقوم عليها، ومنتجات التعلم، واستراتيجيات قياس أداء المتعلمين، ودعم المتعلمين المطلوب، وأنشطة المتعلمين، وتقنيات تقويم البرنامج، بحيث يمكن للمعلمين أو المتعلمين الآخرين ملاءمة كل هذه الأمور مع ســــــــــــــــــــــــياقهم الخاص. هذا النهــــــــــــــــــج معتمد بالفعـــــــــــــــــــــــــل لدى مبادرة جامعة (كارنيجي ميلون) للتعلم المفتوح Carnegie Mellon Open Learning Initiative، وإلى حد ما لدى مشــــــــــــــــــــــروع أوبن ليرن ) (OpenLearnالتابع لجامعة المملكة المتحدة المفتوحة UK Open University، والجامعة الافتراضية للدول الصغيرة في الكومنولث Virtual University of Small States of the Commonwealth ، ومبادرة المصادر التعليمية المفتوحة في أفريقيا OER Africa.
- بالتالي فإن دور المعلم سوف يتحول إلى تقديم التوجيه للمتعلمين حول أماكن وجود المحتوى وكيفية العثور عليه، وكيفية تقويم أهميته وموثوقيته، وما هي مجالاته الأساسية والهامشية، وإلى مساعدة الطلاب على تحليل المعلومات وتطبيقها وتقديمها، في إطار تصميم قوي للتعلم، يركز على منتجات تعلم محددة بوضوح، لا سيما ما يتعلق منها بتنمية المهارات. وسيعمل الطلاب بشكل رئيس من خلال الإنترنت بصورة تعاونية، بحيث يطورون من خلال الوسائط المتعددة أعمالا فنية، أو شواهد تظهر تعلمهم، ويديرون ملفات إنجازاتهم على الانترنت، ويحررون أعمالا مختارة، ويقدمونها لأغراض القياس.